Friday, October 12, 2012

هجرة الأدمغة: من السبب؟


هذا المقال رد و تعليق على ما ورد في المقال الذي نشرته جريدة الخبر يوم الثلاثاء ٩ أكتوبر ٢٠١٢ بقلم محمد درقي و الذي مفاده معارضة منسقية مجلس أساتذة التعليم العالي والبحث العلمي و على رأسها عبد المالك رحماني، من أن تمنح إمتيازات للباحثين الجزائريين في المهجرو الراغبين في العودة إلى الوطن. و القارىء لهذا المقال ليعجب من منطق الكناس في معالجة هذه القضية. فهو منطق بعيد كل البعد عن المنهجية العلمية التي يتوقع أن تجدها في منظمة تمثل منظومة علمية كالجامعة. بدلا من ذلك يعتمد هذا المنطق على التخوين و التهديد مما يدل على مدى تخوف بعض الأطراف من إمكانية حدوث تغيير نوعي في تنظيم و إدارة التعليم العالي و البحث العلمي في الجامعات الجزائرية بعد إستقدام الكفاءات الجزائرية بالمهجر. فالسيد رحماني ممثل "الكناس" لا يجد حرجا في الإنتقاص من وطنية الباحثين لمجرد تواجدهم بالخارج قائلا بأنه ''حان الوقت لهؤلاء أن يُبرهنوا على تعلقهم وانتمائهم لوطنهم الأم من خلال الرضى بمعاملتهم في كفة واحدة مع نظرائهم من الأساتذة المحليين الذين فضلوا البقاء داخل الوطن، وآثـروا مواصلة العمل رغم المخاطر والتقتيل الذي دفع ضريبته العديد من الأساتذة، على غرار الأستاذ جبايلي الذي سقط في جامعة باب الزوار، والمرحوم اسطمبولي بجامعة تيزي وزو، وغيرهم كثير من الأسماء التي سقطت داخل الحرم الجامعي''. بيد أنّ المنطق العلمي و أخلاقيات الإحترافية يقتضيا أن نتعامل مع هذا الموضوع من مبدإ المصلحة الأكادمية للجامعات الجزائرية و إنطلاقا من خبرة هاؤلاء الباحثين و ليس على شهادات حب الوطن التي توزعها هاته المنسقية يمينا و شمالا. إن كان الوقت قد حان لفعل شيء فإنه فعلًا حان للـ"كناس" لتبرهن على وطنيتها بعد ٣٠ سنة من الرداءة الجامعية و الفشل الأكاديمي اللذان وضعا الجزائر في مؤخرة كل التصنيفات العالمية للجامعات. أما ذكر الإرهاب و صمود الجامعة بفضل الأساتذة المحليين فما هو إلّا تدليس و تكتيك رخيس لا يليق بمن يمثل الجامعيّين الجزائريين. فهؤلاء الباحثين قد قدموا هم أيضا تضحيات داخل الوطن ككل المواطنين الجزائريين، زيادة على التضحيات التي قدموها بأرض المهجر من أجل تحصيل المعرفة و التقدم في المناصب العلمية و التنافس مع أقرانهم من مختلف الأمصار و الأجناس و هم في نفس الوقت يصابرون على بعد الأهل و يكافحون ضد العنصرية و قهر الحكومات الأجنبية  وإستخفاف الحكومات المحلية المتتالية و إزدراء أطراف كالتي يمثلها السيد رحماني. و هؤلاء الباحثين في كل هذا مثلهم مثل زملائهم في داخل الوطن يمثلون وطنهم بكل إخلاص و لا يزايدون في ذالك على أحد. و لكن قبل و بعد كل هذا ليس لهم أن يبرروا تفوقهم و نجاحاتهم لأي أحد كان من كان. وإذا أرادت هذه المنسقية  فعلًا خيرا للجامعة الجزائرية فعليها بتقييم هؤلاء الباحثين حسب سيرهم الذاتية و كفاءاتهم وحسب.

و أنا أعجب من تفكير هذا المنسق لما يضيف  ''من غير العدل أن نعتمد على معيار الأبحاث التي حققها الأساتذة في الخارج لأن هؤلاء لم يمروا بنفس الظروف التي عاشها زملاؤهم داخل الوطن، وبالتحديد أثناء العشرية السوداء''. حقيقة إنه يسهل علينا فهم أسباب فشل الجامعة الجزائرية لما نفهم خلل هذا الخطاب الذي السيد رحماني. فهو نفس خطاب "الشرعية التارخية" الذي مازال يسود في إدارة شؤون البلاد و العباد. فأصحاب هذا الفكر العقيم يفضلون إستمرار الوضع على رداءته على أن نستقطب أبناء الوطن في الداخل وفي المهجر  ممن لهم الكفاءات العلمية والمهارات المهنية التي هي كفيلة بتحسين التعليم و تطوير البحث العلمي و بعث عجلة التنمية الفعلية في البلاد.  فلا عجب أن نرى في زماننا هذا هذه العلاقة العكسية التي تربط بين أصحاب المناصب و بين كفاءاتهم العلمية و مهاراتهم الإدارية إبتداءا من الطواقم الوزارية المتتالية و ممثلي الشعب في البرلمان و وُلّاتنا و أميارنا و رؤساء المؤسسات الخ.
و ما يزيد الوضع رداءة و غرابة هو إصرار السيد رحماني في إستعمال الأساليب الملتوية التي عهدناها في بعض الأحزاب العتيدة فهو لم يكتفي بتخوين الناس، فراح يهدد و يبتز مطالبا بـ"فـتح تحقيقات في الطريقة التي مكّنت بعض الأساتذة من مغادرة الجامعة الجزائرية باتجاه الجامعات الأجنبية، لأن هناك أساتذة وباحثين غادروا الوطن عن طريق منح تحصلوا عليها بطرق ملتوية وغير شرعية، الأمر الذي يستدعي توضيحه للرأي العام بشكل دقيق". و كأنه يقول لهؤلاء الباحثين: إن عدتم لتزاحموننا في مناصبنا فإننا سنسائلكم عن طريقة حصولكم على المنح الدراسية. و إن دلّ هذا على شيء فإنما يدل على الرعب الذي ينتاب هذه الفئة من الناس كلما كانت مصالحهم الشخصية على المحك حتى و لو كانت على حساب مصلحة الوطن.  و الحقيقة أن معظم الباحثين في المهجر لم يحصلوا على منح من الدولة بل التحقوا بالجامعات الأجنبية على حسابهم الخاص خاصة و أن الجزائر لم تعد تعطي طلبتها منحا طويلة المدى منذ ٣٠ سنة. و رغم كل هذا فنحن دائما نرحب بالشفافية في إدارة المال العام و نرى أنه من قواعد الإدارة السليمة مساءلة كل من  يحتل منصبا يخوّل له إنفاق هذا المال.

و في النهاية صار من الواضح أن منسقية مجلس أساتذة التعليم العالي والبحث العلمي في تركيبتها الحالية  تمثل عائقا كبيرا لترقية التعليم العالي وتحسين البحث العلمي في الجزائر.


مراجع: 
  1. مصطفى العبد الله الكفري - هجرة الكفاءات العربية والتنمية
  2. جريدة الرياض : الجزائر: مخاوف من استمرار "هجرة الكفاءات" نحو العواصم
  3. أسباب هجرة العقول العربية - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب
  4. المغرب ثاني دولة عربية من حيث هجرة الكفاءات
  5. هجرة العقول العربية
  6. هجرة العقول العربية أسبابها وآثارها الاقتصادية | مؤسسة الفكر العربي
  7. اسلام تايمز - هجرة الكفاءات الجزائرية كلفت 700 مليون دولار أمريكي
  8. 66 ألف جزائري يتصدرون قائمة الكفاءات الأجنبية في فرنسا - الخبر
  9. بوجملين يسابق الزمن لتصوير "هجرة الأدمغة"
  10. هجرة الأدمغة - المحور

Saturday, October 6, 2012

الشاذلي بن جديد مات ... دايم الله في ملكُو

ككل إنسان على وجه البسيطة إنتقل الرئيس السابق، الثالث للدولة الجزائرية الى بارئه. فلندعو له بالرحمة و المغفرة.

لعل للناس مآخذ كثيرة على الشاذلي و لكنه سيُعرف في التاريخ على أنّه أول ما بدأ به عهده هو الإبتعاد عن خط بومدين الإشتراكي في الحكم ليفضي عليه نوعا من التفتح و الليبيرالية الإقتصادية حتى لامه عليها الكثير ممن أتوا بعده.   فهو من بدأ عهده بالبيسترويكا الى أن أنهاه بإستقالته تحت ضغط العسكر. و لنا أن نعترف له بالكثير لما نقارن موقفه من ربيع الجزائر و أحداث ٥ أكتوبر ١٩٨٨ مع موقف زين العابدين و مبارك و القذافي و علي عبدالله و بشار. لقد عرف أن لا مفر من حتمية التغيير و ضرورة الحكم الديموقراطي، فلم يتوانى في إعادة حق هذا الشعب في تقرير مصيره مهما كان. لكن جنرالات فرنسا لم تعطي لا للشاذلي و لا للشعب فرصته. 

لكن التاريخ سيعرِّف الشاذلي على أنه من سجن بوتفليقة ثم نفيه بعد ما ثبتت إدانته في جريمة إختلاس ميزانية القنصليات الجزائرية في الخارج لما كان وزيرا للخارجية.

السؤال الذي يطرح نفسه: بعد وفاة بن بلة قبل شهور قليلة و  تشييع جنازته على الطريقة البوتفليقية، و استغلال وفاته في الحملة الإنتخابية، يا ترى مذا تكون المعادلة بالنسبة لوفاة الشاذلي؟ لنلاحظ أننا على أبواب الإنتخابات المحلية.