Saturday, September 3, 2011

العقيدة الإقتصادية للدولة الجزائرية



لعل العنوان أعلاه قد يوحي لقارئ هذا المقال أن للجزائر نظام إقتصادي  متطور و ذو بنية متقدمة. لكن للأسف لسرعان  ما يكتشف القارئ الحقيقة المرة و يدرك مدى بدائية النظام الإقتصادي في الجزائر. أوّلًا إذا كان لا بد من تصنيف الإقتصاد الجزائري، فيمكن أن نضعه في خانة اللاّإقتصاد. من منظور آخر هو تطور سلبي للإقتصاد الإشتراكي في أسوإ و أقبح تجلّياته.  و لكن للتسهيل و التقريب نقول أنه أقرب إلى إقتصاد رعاة الغنم عندنا في الجزائر. فالراعي يكسب أغناما و لكن لا يحتاج إلى أن ينفق عليها شيئا. فهي ترعى من أرض الله فتدر عليه الخيرات الكثيرة من لحم و لبن و صوف. و علاوة على ذلك فهي  تتوالد و تتنامى بسرعة كبيرة فتزيد في رأس ماله دون تعب أو كلل. فإقتصاد الراعي في حقيقة الأمر هو أحسن إقتصاد في العالم من منظور الربح. فربح الراعي هنا صافي، فلا يوجد فيه تكاليف الإنتاج و لا أعباء عملية الرعي ولا ثمن في كسبها. فـكما يقال عندنا: "القْـنَم من عند ربي، و الماكـلة من عند ربي و الميْهَة من عند ربي."



قد يسأل القارئ إذًا: ما دخل رعي الغنم  في النظام الإقتصادي الجزائري؟ و أنا أجيب أن له كل الدخل، دعني أوضح الأمر. فبـحكم منشئ  أصحاب النظام الجزائري و و تربيتهم  و تعليمهم فهم ما زالوا يحافظون على العقلية البدوية الرعوية (و أنا هنا أكِنُّ كل إحترامي للبدو و رعاة الغنم). فرجل النظام لا يُقِرّ قرارا و لا يُسن قانونا إلّا من منطلق العقلية الرعوية. فبدل الغنم هناك بترول و غاز يدر على الدولة أو بالإحرى على رجال النظام الخيرات الكثيرة من العملة الصعبة و السهلة، و النفوذ في الداخل و الخارج، و إستثمارات في أوروبا و أمريكا لا يسمع بها و لا يتمتع بها الا أصحاب النفوذ.  فمنذ الثمانينات تفطن النظام إلى هذه المعادلة حيث أنه مادام البترول و الغاز موجود فلا حاجة الى تطوير الإقتصاد أو البحث على مصادر أخرى لدعمه. فإقتصادالجزائر يعتمد على معادلة بسيطة: لا نصدر إلّا بترولا و غازا، و نستورد كل شيئ.
فقد يتساءل القارئ هل هناك ضير في أن نصدِّر أشياءا أخرى غير البترول و الغاز؟ أنا و أنت و غيرنا نقول لا ضير في ذلك بل هو مستحسن و محبوب في كل إقتصادات العالم، لكن رجال النظام يقولون عكس ما نقول . فهم يرون أنه لو بدأنا في تصدير بعض المنتوجات المصنعة محليا فهذا سيخل بالمعادلة الرعوية و هذا لا يعجبهم . فالإخلال بالمعادلة الرعـوية هو إخلال بأمن الدولة. كيف ذلك؟ إذا صدرنا منتوجا ما  فهذا يعني أننا قد لا نحتاج الى إستيراده. و إذا أمتنعنا عن إستراد هذا المنتوج فهذا يعتبر خسارة بهيضة لا يحتملها الُمستورِد الذي هو لا أحد سوى واحد من أصحاب النظام. قد نظن أن الأمر يقف هنا و حسب. للأسف لا؛ إذا كان النظام لا يشجع التصدير فهو بالنهاية لا يشجع الإنتاج المحلي و لا يشجع كل ما يؤدي الى الإنتاج و التصنيع و روح المبادرة ووسائل التطور و التطوير و البحث و التنقيب و التفكير و التحليل ...الخ. فكل هاته الأفعال ممقوتة و غير محبوب التداول بها. و الأدلة عن كل هذا ظاهرة في الحيلة العامة لمن يريد أن يراها. و أنا هنا لا أتكلم على القطاع العام فقط، فقد بسط النظام سلطته على كل القطاعات.  وإذا كان هناك بعض الإستثناءات فهي لمصلحة النظام فقط (ربراب و من شابهه).

في آخر المطاف نتائج هذا النظام وخيمة على هذا البلد و هذا الشعب. فلقد جعل من الجزائر عبارة عن كتلة من الطاقة الهائلة المكبوتة و المهدورة.

و قد يجد المراقب أن ما آل إليه حال  التربية و التعليم من باب الصدفة أو من باب سوء إدارة فحسب، فهو خاطئ. فالحقيقة أن سوء تأثير المعادلة الرعوية  أتى حتى على نوعية التعليم و ما تنتجه مدارسنا و جامعاتنا. فالتعليم أصبح وظيفة و لم يعد رسالة، و صارت الجامعة الجزائرية تنتج شهادات و ليس رجالا و نساءا مهمتهم بناء المستقبل. لأنّ النظام يريدهم بلا مهمة،  و لا يريدهم أن يبنوا شيئا. فقد أتى النظام من الصين و الهند و مصر من يبني. من أراد أن تكون له مهمة فليرحل إلى الخارج جوًّا شاء أم بحرًا.


فالنظام لا يأبه بإعمار البلاد و لا  بتطوير العباد و لا حتى بفتح المجال للإستثمارات الخاصة إلّا لذوي النفوذ، عادة  ثمنا لتعاونهم مع النظام. فالنظام حريص على الإستولاء على كل صغيرة و كبيرة و كل ما ينفق على الشعب فهو قدر الحد الأدنى و من باب تصريف  الأمور. و إذا كانت هناك بعض التطويرات في البنى التحتية فهي لأن وراءها صفقات مربحة جدا جدا لأصحاب النظام و عادة مكلفة جدا جدا لخزينة الدولة، و خير أمثلة على ذلك : الطريق السيار، ميترو الجزائر، مطار الجزائر... الخ. و أما المليون أو الملايين من السكنات التي لا ييأس بوتفليقة الإفتخار بها فالكل يعلم مستوى قابليتها للسكن فعلا. و في النهاية ما هي الا من فتات هذا البلد لإمتصاص غضب الشارع. و لكن ما عسى شعب مغلوب على أمره أن يفعل سوى تقبل الهدية و الإمتنان لأولياء نعمته.
    
و لقد يجد القارئ أنني قد أكون أبالغ  في الأمر، و لكني أدعوك للتأمل في الآتي. فأنظروا الى الخمسين سنة الماضية من إستقلال البلاد، و أنظروا ما أنجزه النظام لهذا الشعب و لهذا البلد. أنظروا الى ما آلت إليه مدارسنا من عبث وزراء التعليم المتتاليين. أنظروا إلى حال مستشفياتنا و حال مرضانا. أيجرؤ رئيسنا أو وزراؤنا أن يتطببوا في أحد مستشفيات الجمهورية الجزائرية الشعبية الديموقراطية ؟ لا و الله. أنظروا إلى فضائح الإختلاسات المتعددة و أنظروا حال النخبة من شبابنا و خريجي جامعاتنا الذين نفرهم النظام الى ما وراء البحار و فى قعر البحار. 

Friday, September 2, 2011

النيف الجزائري: خدعة أم أسطورة

بلخادم
إن القارئ للمقال أدناه ليغمره  الضحك لسذاجة الموقف لأن الشعب الجزائري أدرك منذ فترة و لو ليست بالطويلة أن النظام في الجزائر لطالما لجأ إلى خدعة "النيف" لأغراض سياسية. والمراقب لما يجري على الساحة العربية من ثورات و تأثيرها على الساحة الجزائرية ليرى أن النظام صار يلجؤ بإنتظام و بوتيرة أعلى كل يوم إلى هذه الخدعة. و دفاع عميمور عن النيف الجزائري حسب المقال أدناه إنما هو في الحقيقة كمن أخذته العزة بالذنب كما فعل الكثير من قبله. فهذا بلخادم و بكل وقاحة "دبلوماسية"  يطلب من ممثل المجلس الإنتقالي الليبي أن يتوضأ قبل أن يذكر كلمة الجزائر على لسانه. و ما أبعد هذه الانفعالات من أخلاقيات  الديبلوماسية الجزائرية و خاصة إتجاه شعب شقيق ندين له بالكثير.

عميمور
بوقطاية
و غرابة الأمر  أن عميمور و بلخادم و آخرين من أمثالهما هم من منتسبي حزب جبهة التحرير العتيد الذي أكل الدهر عليه و شرب فأصبح سببا في جلب العار و الخزي لبلد بأكمله. فقبل هذا قد أرسل هذا الحزب ممثلا له الى طرابلس ليعبر بطريقة رسمية عن مساندة الحزب و مساندة بوتفليقة لأقبح ديكتاتور عرفه تاريخ المنطقة، مستبد قتَّل شعبه و نكَّل به لأكثر من 40 سنة. فأي نيف هذا الذي جعلنا نمرح و نرقص و نهتف "وان، تو، ثري فيفا لالجيري"  بينما نرى إخواننا في تونس أولا،  يبدعون و يذهلوننا بثورة ياسمينية؛ ثم إخواننا في مصر يقدمون للأنسانية أرقى ثورة قامت بها أمة فتركت أمما تتمنى لو كانت مصر. ماذا فعل النظام في الجزائر ؟ بهت الذي كفر. ماذا فعل هؤلاء الناس الذي يتشدقون بالنيف؟ لم يمهمه فيهم أحد لمدة ثلاثة أشهر. و لما فتحوا أفواههم  قالوا كغيرهم: الجزائر ليست تونس و مصر، الجزائر غير.
أصحاب النيف هؤلاء أرعبتهم ثورة شعب فراحوا يرمون للساحة السياسية مشاريع إصلاح سياسية و إجتماعية (مشاريع إستباقية) لم يطالب بها الشعب حتى.