Saturday, April 14, 2012

فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر ... و ما بدّلوا تبديلا

في رحيل  بن بلة لم يكن بوتفليقة يجد أحسن من هذا الحدث كي يستعمله لإثارة العواطف الوطنية لدى المواطن الجزائري و خاصة و نحن على أعتاب إنتخابات تشريعية قد تشهد مقاطعة شاملة. لكن المتتبع لتغطية رحيل بن بلة لا يمكن إلا أن يمعن النظر في السنوات الخمسين الماضية من إستقلال الجزائر ليدرك أن الشعب الجزائري أُختصِر في التصفيق للرئيس الجديد و البكاء و النحيب على من أدركته ساعته و لو كنّا نحن سبب هلاكه، و أخيرا تمجيد و تعظيم من ينتظر و لو كان سببا في هلاكنا.
الكل يعلم الآن أنّ رجالات ثورتنا الخالدة هم من قتلوا عبّان. و جاء ضباط الحدود و أستولوا على الحكم فصفقنالهم، فقتلوا كثيرا من مجاهدى الداخل. و صفقنا لبن بلة فانتفخ غرورا و قتل شعباني. و جاء بومدين و انقلب على من صفقنا عليه فزج بالاوّل في السجن لـ15 سنة، فصفقنا عليه أكثر. و سُمِّم بومدين فبكينا عليه و انتحبنا، و لم نجرأ حتى أن نسأل كيف مات. 
و جاء بن جديد بعهد جديد فصفقنا له بقدر ما بكينا على سلفه. ثم جاء حكم العسكر بقيادة الجنرال نزار و وراءه ثلة من جنرالات فرنسا بعد أن أزالوا بن جديد من منصبه، وصُحِّحت إرادة الشعب بعد أن أخطأ الخيار و أوقفت جبهة الإنقاذ و هي على أعتاب الحكم و أرسل رجالها الى المعتقلات في الصحراء و رمي منتسبيها في غياهب السجون، و طوردوا في الجبال و الفيافي. فكانت بداية العشرية السوداء. فسرعان ما تجرءنا لنسأل "من يقتل من؟" حتى كُمِّمت أفواهنا فبكمنا.
و جيئ ببوضياف بعد أن كان مهجّرا و منبوذا في عهد بومدين، و فجأة انتعشت ذاكرتنا الجماعية فادركنا خصال المهدي المنتظر في هذا الرجل. فما كان عسانا إلا أن نصفق له أكثر و أشد علّه يغفرلنا خطيئتنا و ينقذنا من مغبة خيارنا المشؤوم. لكن هذا الرجل الذي غاب عن وطنه فترة طويلة ما كان ليدرك أنّ تصفيق الشعب لا ينفع و لا يغني من جوع، فراح بوضياف  يجول و يصول وحيدا في كواليس الحكم و هو يصارع أشباحا إلى أن لقي حتفه على مرأى و مسمع من العالم على يدي من أتوا به بعد أربعة أشهر من المجيئ به. 
و بكينا على بوضياف و نُحنا عليه بقدر ما صفقنا له. و نسيناه و نسينا محاسنه بنفس السرعة التي تذكرناه و تاريخه بها. ولم يكن حتى فيه داع لنسأل من قتله. نحن نعلم. 
و بنفس السرعة إكتشفنا زروال و مناكبه و أخلاقه ووطنيته و قُدِّم لنا على أنه الجنرال الوحيد الذي لم يكن في الجيش الفرنسي، و إكتشفنا فصاحته و إن كان الرجل لا يحسن الارتجال بجملتين مستقيمتين، و ماعسانا ننتظر من عسكري قضى حياته التكلم بلغة الكازيرنات. و لكن إستحسنا مجيئه فالجزائر لا تملك بعد من بين أبنائها الخمسة و ثلاثين مليون نسمة من يحسن إدارة الوطن المفدّى إلا أمثال بن جديد و نزار و تواتي و زروال. 
و رغم كل هذا إضطر الجنرال النظيف زروال أن يستقيل فكان لزاما علينا ن نأتي بمنقذ آخر و لو إضطررنا أن نستورده كما فعلنا مع بوضياف. فمن يكون أحسن ممن هجره الشاذلي و نفاه بتهمة إختلاس 24 مليون دولار. فكان ذالك بوتفليقة سليل جيش التحرير، الديبلوماسي المحنك، وريث بومدين و الامين على رسالة الشهداء، المنقذ المنتظر و المصلح المعتبر و الرئيس المنتصر في عهدتين و زدناه ثالثة. و لا نفتأ نزيده من أصواتنا و تصفيقاتنا الى أن يهلك أحدنا. 
خمسون سنة من إستقلال مفترض علمتنا أن نصفق على الرئيس الجديد و نتنافس في تبجيله و تعظيمه مادام يتولى أمرنا، و أن نبكيه حين يهلك على أيدينا أو على غيرها،  و أن لا نسأل عن أشياء إن تُبدى لنا تسؤنا.

No comments:

Post a Comment